نصح رئيس هيئة علماء السودان، محمد عثمان صالح، السودانيّين بتعدّد الزوجات للتصدي لارتفاع نسبة العنوسة والطلاق. إلّا أنّ دعوته هذه قوبلت بانتقادات من السودانيّين، الذين اتهموا الهيئة بعدم الاهتمام بمعاناة المواطنين، نظراً لارتفاع الأسعار والمغالاة في الزواج.
ويعاني السودان من أزمة اقتصاديّة كبيرة وارتفاع في أسعار السلع، وقد زادت معدّلات الفقر بنسبة كبيرة، علماً أن الحكومة تقدّر معدّلات الفقر بـ 19 في المائة. ويستند صالح إلى آراء بعض العلماء الذين يؤكّدون أن الأصل في الزواج هو التعدّد، مع مراعاة العدل، مشيراً إلى أن هناك حاجة ماسة في السودان لتعدد الزوجات نظراً لزيادة المشاكل الاجتماعية من طلاق وعنوسة، فضلاً عن ارتفاع أعداد الإناث بالمقارنة مع الذكور، إضافة إلى ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب. ويرى أنّ تلك العوامل مجتمعة من شأنها أن تفتح الباب أمام انحرافات سلوكية، مضيفاً أن "النساء المطلّقات في حاجة إلى الزواج مجدداً طلباً للعفة والسكن والاستقرار".
وعرف السودان تعدّد الزوجات منذ فترات طويلة، ولا ينظر إليه كـ"وصمة اجتماعية". لكنه لم ينتشر بشكل كبير، بل يلاحظ أنه زاد خلال الفترة الأخيرة، وقد تغير تفكير بعض الفتيات، لا سيما العاملات منهن، حول الزواج من رجل متزوج. وتقول لمياء (27 عاماً)، وهي مديرة علاقات عامة في شركة خاصة، إنها لطالما أرادت الزواج من رجل متزوج، خصوصاً أنها تتحمل أعباء كثيرة وتعيل أسرتها. تقول: "بالفعل، تحققت رغبتي وتزوجت من رجل متزوج وبات لدينا طفلان. أقيم مع والدتي في منزلها، ولم يؤثر الزواج على عملي أو يزيد أية أعباء علي. الأسبوع مقسّم بيني وبين زوجتة الأولى". في الوقت نفسه، تشير إلى أن علاقتها بالزوجة الأولى متوترة، إذ لم توافق على أن يتزوج زوجها من امرأة أخرى، وقد رفضت أية محاولات للتقارب.
وأثارت تصريحات رئيس هيئة العلماء حفيظة السودانيين، رجالاً ونساءً، خصوصاً أنه ربط بين تعدد الزوجات وحلّ مشكلة العنوسة والطلاق. ويرى عدد من المواطنين أن الأزمة الاقتصاديّة هي السبب الأساسي للعنوسة والطلاق، نظراً لعزوف الشباب عن الزواج، في ظل ارتفاع تكاليفه، كما أن الكثير من الشباب عاطلون من العمل، فيما يعمل آخرون في مهن بسيطة، بالكاد تدرّ عليهم ما يكفي لتأمين بعض المتطلبات الأساسية.
ويعدّ الزواج هاجساً كبيراً للرجل في السودان، خصوصاً خلال السنوات الأخيرة، في ظل تنافس السودانيّين في تجهيزات الأعراس وغلاء المهور. وقد يضطر العريس إلى دفع نحو سبعة آلاف دولار لتنظيم حفل زفاف، فيما قد يتجاوز آخرون مبلغ عشرة آلاف دولار، عدا عن تجهيزات البيت الأخرى.
ويقول محمد (30 عاماً)، وهو موظّف في شركة خاصة، إنه فسخ الخطوبة قبل أقلّ من شهرين من موعد الزواج بسبب طلبات العروس وأهلها الكثيرة، والتي تجاوزت قدرته. ويوضح أنّه احتاج إلى ثلاث سنوات لجمع مبلغ من المال والإقدام على الزواج. أما اليوم، فقد تخلى عن فكرة الزواج نهائياً وبات كلّ هدفه السفر إلى خارج البلاد لتحسين وضعه.
بدوره، يؤكد أحمد (28 عاماً) أنّ لديه رغبة قوية في الزواج، لكنّه بالكاد يستطيع تأمين احتياجاته الخاصة، كما أنه يعيل أسرته بعد وفاة والده. ويوضح أنّ بدل إيجار منزله الصغير، يكلّف شهرياً نحو ألف جنيه، وهو في منطقة نائية بعيداً عن قلب العاصمة ومكان عمله، عدا عن الأمور الأخرى من فاتورة الكهرباء والغاز والمياه وخلافه.
واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالانتقادات اللاذعة لهيئة علماء السودان. ويرى البعض أن قرار الزواج الأول في حد ذاته "صعب"، نظراً لارتباطه بالوضع الاقتصادي. وحمّلوا الدولة مسؤولية عزوف الشباب عن الزواج، نظراً لارتفاع أسعار البيوت وغلاء المعيشة، لافتين إلى أن تعدّد الزوجات في الظروف الحالية سيفرز مشكلات اجتماعية أكثر تعقيداً، ويخلق عائلات غير متماسكة.
من جهتها، تقول نيفين (26 عاماً)، وهي ربة منزل، إنها تعارض فكرة تعدد الزوجات بسبب نتائجه السلبية على المرأة والأطفال. تضيف أنه من شأن هذه الخطوة أن تسبب اضطرابات نفسية للأطفال، خصوصاً أنها تؤثر على الأم بشكل مباشر. وترى أن تعدّد الزوجات أجيز في حالات معينة فقط. أما عثمان (60 عاماً)، وهو رجل أعمال، فيؤكد أن تعدد الزوجات في حال الاقتدار من شأنه جلب الرزق وخلق أسرة ممتدة. يضيف: "في حال عدل الرجل بين زوجاته، ستختفي المشاكل"، لافتاً إلى أنه متزوج من أربع نساء يسكنّ في مبنى واحد، كل واحدة في شقتها، وقد بتن مثل الشقيقات، وإن كان هناك بعض المشاكل بسبب الغيرة. لدي من الأبناء عشرون، وثلاثون حفيداً. لا أفرق بين أحد، فنحن أسرة واحدة".
أما عبد الجبار (40 عاماً)، وهو سائق سيارة أجرة، فيقول إن أسوأ ما ارتكبه في حياته هو زواجه من امرأة ثانية. يضيف: "كنت أعاني من ضائقة مالية حين تعرفت على زوجتي الثانية وهي من أسرة غنية". حين قرّر الزواج بالثانية، رفضت زوجته الأولى الأمر، واليوم تعتبره عدواً. "لم تطلب الطلاق بسبب الأولاد، لكننا نعاني. أعتقد أن خطوتي هذه أثرّت سلباً على أبنائي، خصوصاً إبنتي البكر. واليوم، تتردد على عيادة طبيب نفسي، وقد تأذت من جراء المشاكل بيني وبين والدتها. فقد كانت علاقتها بوالدتها متينة، خصوصاً أنها وحيدة بين ثلاثة شبان".
ويرى باحثون أن تعدد الزوجات لم يكن في الأساس حلّاً لمشاكل الطلاق والعنوسة، موضحين أن أحد أسباب الطلاق قد يكون إقتصادياً، فضلاً عن أن العنوسة في كثير من الأحيان تكون اختيارية لدى النساء في ظلّ اختلاف النظرة إلى الزواج في الوقت الحالي، ورغبة منهن في التعليم والعمل، بالإضافة إلى تحديد مواصفات صعبة لاختيار الشريك.
من جهتها، تقول الباحثة الاجتماعية آمنة عبد المطلب أنّ التعدّد نفسه قد يكون سبباً في مشاكل اجتماعية معقدة، ويساهم في تشتيت الأسر، لافتاً إلى أن التعدّد سلاح ذو حدين. وترى أنّ مشاكل العنوسة والطلاق تتطلّب رفع درجة الوعي، عدا عن دور الدولة في تسهيل الزواج وإنهاء مشكلة البطالة والحد من غلاء المعيشة
No comments:
Post a Comment